بسم الله الرحمن الرحيم
ا لكسوة في الجــاهلية
أول من كسا الكعبة المشرفة في الجاهلية هو ملك اليمن تبع أبو كرب أسعد الحميري,علما بأن تبع هو من جعل للكعبة بابا ومفتاحا, ومازال الناس بعد تبع وخلفائه يتواصلون بكساء الكعبة المشرفة ولم يتركوها مجردة بل يلبسون الكسوة بعضها فوق بعض وقد كسيت بالإنطاع وهو بساط من الجلد,والقباطي وهو ثوب أبيض رقيق وكلما بلى ثوب وضعوا عليه ثوبا آخر جديدا حتى تراكمت الأثواب ..
الكـسوة في عصر الإسلام و الخلفاء الراشدين
في عام الفتح كسا النبي صلي الله عليه وسلم الكعبة المشرفة بالحبرات وهو ثوب من ثياب اليمن ثم كساها ابوبكرالصديق رضي الله عنه بالقباطي وهو ثوب أبيض رقيق.. استمر الحال عند تولي عمر بن الخطاب رضي الله عنه الخلافة وكساها من بيت مال المسلمين وهو من قام بتوزيع الكسوة القديمة على الحجاج..
ثم تولى بعده سيدنا عثمان بن عفان رضي الله عنه الخلافة واستمرت الكسوة تحاك في مصر, وهو أول من وضع على الكعبة المشرفة( كسوتين الأولى: بالديباج في اليوم الثامن من ذي الحجة والثانية بالقباطي يوم السابع والعشرين من رمضان) إحداهما فوق الآخرى وهو أول من فعل ذلك في الإسلام ..
ولم يؤثر عن سيدنا علي بن أبي طالب كرم الله وجهه أنه كسا الكعبة لإنشغاله بالحرب التي أجبر على خضوعها من أجل ضمان وحدة المسلمين..
كـسوة الكـعبة في عصـر الأمويين
وقام الأمويون بصناعة الكسوة التي تجري نفقتها من بيت مال المسلمين وذلك إتباعا لعمر بن الخطاب رضي الله عنه عندما جعلها من بيت مال المسلمين وعندما كثر وازداد بيت المال قدر معاوية بوضع كسوتين للكعبة اقتداء بسيدنا عثمان بن عفان رضي الله عنه.
كسوة بالديباج يوم عاشوراء والأخرى بالقباطي في آخر شهر رمضان المبارك .
وجاء بعد معاوية ابنه يزيد سنة ستين من الهجرة إلى أن هلك فكسـا الكعبة بالديباج المصنوع في خراسان وكذلك كان سيدنا عبدالله بن الزيبر فقد كان يكسو الكعبة من الديباج الخسرواني .
وعندما تولى عبدالملك بن مروان (65-73هـ) كان يكسو الكعبة بالديباج الخراساني ويمر حاملو الكسوة بالمدينة المنورة (على ساكنها أفضل الصلاة وأتم التسليم) ويعرضونها بحرمه الشريف يوما ومعها الطيب للحرمين ثم تطوى بعد العرض وتحمل إلى مكة. واستمر خلفاء بني أمية يكسون الكعبة المعظمة حتى دالت دولتهم فانتقل الأمر إلى بني العباس.
الكسوة في عصر الدولة العباسية
تميز عصر العباسيين عن باقي العصور السابقة التي ذكرناها وذلك بالإهتمام الكبير بكسوة الكعبة المشرفة عن\ما أمروا بصنعها من أجود أنواع الحرير ووقع اختيارهم على قرية((تنيس)) بمصر لما لهذه المدينة من الشهرة العظيمة في المنسوجات الثمينة.
وفي عهد الخليفة العباسي المأمون أصبحت الكعبة تكسى ثلاث كسوات في السنة الواحدة, وبهذا يكون المأمون أول من وضع ثلاث كسوات للكعبة المشرفة.
الأولى:. تكسى يوم التروية بالديباج الأحمر وهو يوم الثامن من ذي الحجة.
الثانية:. في مستهل رجب بالقباطي.
الثالثة:. يوم السابع والعشرين من شهر رمضان المبارك بالديباج الأبيض.
وبعدما ضعفت الدولة العباسية لم يكن لديها الاستطاعة في الاستمرارية بصناعة الكسوة حيث أصبح يشاركهم في كساء الكعبة من اليمن ومصر وبعض ملوك العجم في الهند وفي الدولة السلجوقية.
وكساها الناصر لدين الله أبو العباس أحمد الخليفة العباسي ديباجاً أسود وكان السواد شعار العباسيين, وأخدت الكعبة بعد كسوة الخليفة الناصر ترتدي السواد إلى يومنا هذا
مصنع كسوة الكعبة المشرفة بالمملكة العربية السعوديةبدأت فكرة عممل كسوة الكعبة المشرفة في المملكة العربية السعودية عام 1344هـ عندما كانت الحكومة المصرية تتولى صنع الكسوة وترسلها باسم موكب المحمل التابع لها حيث كان الإنفاق على صنع الكسوة يتم من الأوقاف التي خصصت لهذه الغاية وليس من خزانة الحكومة المصرية.
وفي عام 1346هـ في شهر محرم صدرت إرادة جلالة الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود (طيب الله ثراهـ) موحد الجزيرة العربية بإنشاء دار تصنع بها كسوة الكعبة المشرفة في أم القرى مكة المكرمة وتحقق له ماأراد وكان هذا العمل انطلاقا من اهتمام جلالته بشؤون الحرمين الشريفين ومكانتهما في نظر العالم أجمع.وفعلا تم إنتاج أول كسوة للكعبة المشرفة لتمثل إضافة لبنى أخرى من مآثر هذه الأسرة المباركة التي أولت الحرمين الشريفين جل اهتمامها وعنايتها معتمدين على الله سبحانه وتعالى ثم على بعض العمال المهرهـ بالحرف اليدوية من الهند للكسوة الشريفة.
وظل هذا العمل والإنتاج لكسوة الكعبة المشرفة مستمرا في عهد جلالة الملك سعود بن عبدالعزيز ثم الملك فيصل الذي أمرهـ والده باإشراف المباشر على المصنع وتطويره ثم الملك خالد ثم الملك فهد- رحمهم الله- وفي عام 1392هـ/1972هـ وضع خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز رحمه الله حجر الأساس للمصنع الجديد يوم كان آنذاك نائبا لرئيس مجلس الوزراء ووزيرا للداخلية , وذلك بأم الجود بمكة المكرمة , وبعد انتهاء العمل في بناء المصنع واستكمال الفترة التشغيلية التجريبية والتجهيز لمعداته .
قام خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز(رحمه الله) عندما كان وليا للعهد ونائبا أول آنذاك بافتتاح المصنع الجديد رسميا يوم 7 ربيع الآخر عام (1397هـ) واستمرت صناعة كسوة الكعبة المشرفة وأولى أجهزة المصنع وآلاته العناية الفائقة وكان عام 1410هـ نقلة كاملة في تحديث وميكنة أغلب الأقسام , حيث انتهت الدراسة من تغيير شامل وكامل للمصبغة بعد ان كان هذا القسم يقوم بصباغة الحرير يدويا ويستخدم التسخين المباشر بالغاز في الصباغة فتم استرداد ماكينتين من شركة(فيرارا الإيطالية) سعة(19 كيلوجرام) لكل ماكينة وآلة للتجفيف بالطرد المركزي كما شمل الأمر غلاية(مولد بخار) وأصبح استخدام البخار في التسخين بدلا من التسخين المباشر الذي كان يؤثر سلبا على قوة الحرير.
كما تم أيضا في نفس العام تأمين مكنة سداية كاملة بجميع مستلزماتها من شركة(بنتجر) السويسرية وذلك لتسدية الخيوط الحريرية والقطنية,كما تم تأمين ماكينة للف الكونات وتجهيزها باثني عشر رأسا والتي تعمل مسبقا على تحويل الشلل إلى كونات بنفس قوة الشد المطلوبة بإختلاف العامل.
كما تم نفس العام 1410هـ تأمين آلة البوبينات التي تزود مكنة النسيج بخيوط اللحمة المطلوبة وعددها ست فتلات بنفس عدد الفتلات في المتر الطولي .
كما تم تأمين آلة( توب ماتيك) للقم خيوط السدي بإمكانية (600 فتلة) في الدقيقة وحيث يصل عدد الخيوط التي تلقم إلى (9900) والتي تحتاج إلى ثلاثة أيام عمل بعد أن كانت تحتاج إلى شهر كامل, وفي عام 1414هـ ارتبط مصنع الكسوة إداريا بجهاز الرئاسة العامة لشؤون المسجد الحرام والمسج النبوي ,ففي عام 1417هـ تم توقيع عقد مع شركة سولزر روتي السويسرية لتأمين عدد ثلاث مكائن نسيج ,إحداهما مزودة بجاكارد إلكتروني وتعمل جميعها بآخر ماتوصل اليه علوم النسيج بنظام يدعى(رابير) وتأمين جميع مسلزماتها وبطاقاتها القصوى للتشغيل ,كما كان لوجود الكسوة وتميزها الحيز الأكبر بإنشاء مختبر متكامل للجودة وتزويدهـ بجميع الأجهزة الخاصة باختبار الخيوط والأقمشة والعمل على تحسينها , ولما كان ارتفاع الثوب لايزيد عن أربعة عشر مترا فكان من الصعوبة خياطته آليا وكانت تتم خياطته يدويا ولذا بعد الدراسة والمشاورات تم تصميم أكبر مكنة خياطة في العالم أجمع بطول(16 مترا) وطاولة(14مترا) بإرتفاع عن الأرض يبلغ(1,5) تعمل بالليزر وتقوم بخياطة الثوب وتجنبه أي ملامسة للأرض وتم افتتاح هذا القسم في عام 1422هـ وتزويده بمكواهـ بخارية خصصت لكي الكسوة قبل تعليقها على جدار الكعبة المشرفة وأصبحت كسوة الكعبة المشرفة ولا زالت تنتج بالأيدي السعودية(100%) وعلى الأرض السعودية وفي مصنع سعودي بمكة المكرمة.
وباتت هذه الكسوة في هذا العهد الزاهر مما يعتز به كل مسلم( زائر و معتمر وحاج) لما تحظى به من عناية واهتمام ولما تضيفه على الكعبة المشرفة من رونق وبهاء علما بأن جميع الوحدات الإدارية والأقسام الانتاجية لصناعة هذه الكسوة الشريفة تدار تحت اشراف من الإدارة العامة للمصنع ومتابعة ميدانية مستمرة لعمليات الإنتاج , وبتوجيهات من معالي الرئيس العام لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي ..
أقسام المصنع:.
1- قسم الصباغة..
2- قسم المختبر..
3- قسم النسيج..
4- قسم الطباعة والإعلام..
5- قسم الحزام (المطرزات)..
6- قسم خياطة الكسوة..
يعجز القلم واللسان والحديث عن كثير وكثير من الأعمال والجهود المباركة والمميزة والفريده من نوعها وحجمها وثقلها وطبيعتها ليس على مستوى المنطقة المحلية والوطنية والخليجية بل على مستوى الأمة العربية والإسلامية والعالمية القارية جمعاء, وليس على مستوى توسعة الحرمين الشريفين الذين يشكلان هاجس المليك الراحل فهد بن عبدالعزيز (رحمه الله) واهتمامه المباشر والخاص طمعا في رضا المولى عزوجل وحبا في خدمة الحرمين الشريفين وزوارهـ وعماره لا لكسب الثناء من المخلوق وانما لكسب الجزاء والدرجات من خالق الخلق وتوافقا للنهضة الشاملة والكثافة السكانية المتزايدة التي تتطلب ذلك التوسع للحرمين الشريفين امتدادا لساحاته ومساحاته واتساعا لضيوف الرحمن والزوار والعمار وغيرهم من المواطنين ومن المقيمين بل تعدى ذلك الاهتمام والحرص حتى تجاوز وشمل كل بقعة من بقاع المسجد الحرام والمسجد النبوي الشريف, ولم يغفل الملك فهد(رحمه الله) نصيب أهم بقعة وبؤرة تقع في قلب العالم أجمع تتجه إليها الأنظار والقلوب خاشعة لوجودها في الحياة طالبه لغفرانه عزوجل ساعيه لحرمها حامله لهمومها متجه لكعبتها في بيت الله الحرام بأم القرى مهبط الوحي بمكة المكرمة.
فالكعبة المعظمة وكسوتها تعظيما وبناء وترميما وتغسيلا وتنظيفا وخياطة وإخراجا وتطويرا كانت ولا زالت محل اهتمام وحرص حكومتنا الرشيدة وقيادتها وولاة أمرها منذ تفكير وتوجيه موحد الجزيرة العربية الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود(طيب الله ثراهـ) وصدور أمره الكريم في شهر محرم عام 1346هـ بإنشاء أول دار لصناعة كسوة الكعبة المشرفة في أم القرى بمكة المكرمة واستمر شرف العمل والصناعة والإنتاج لهذه الكسوة المشرفة لأطهر بقعة للكعبة المعظمة.
وتواصلت مسيرة العطاء والبناء وامتدت لكل جزء وطرف في المسجد الحرام والمسجد النبوي بل وفي انحاء المملكة على مختلف الاتجاهات والصعود, فمثلا بئر زمزم , ومقام ابراهيم وصحن الطواف , والمسعى, والسلالم الكهربائية, والمفارش, والمآذن , والإضاءة والنظافة, والمظلات الكهربائية , والساحات وغيرها ..
والتشييد والبناء المستمر ,وماهذا وذلك إلا نقطة من نقاط الخير والعطاء وهو يعتبر قليل من كثير بدون حدود ولا قيود فجزا الله الملك الراحل الذي افنى حياته في خدمة الاسلام والمسلمين وجزا الله من سار على نهجه من بعده من ابناءه البررة المخلصين.. وكما يتجلى اهتمام وحرص الخادم الراحل بجسده الباقي بأثره وعمله المتوج بوضع حجر الأساس لمصنع كسوة الكعبة المشرفة وتجديده وافتتاحه رسميا بأم الجود يوم السابع مع ربيع الآخر عام 1397هـ بمكة المكرمة منذ كان وليا للعهد نائبا لرئيس مجلس الوزراء ووزيرا للداخلية.. مع عنايته المتواصله ودعمه لتطوير كسوة الكعبة المشرفة من خلال تأمين وشراء الخيوط الحريرية والمذهبات والفضيات ولوازمها وتصنيع الآليات والمكائن الحديثة والخاصة بصناعة وغسيل وتحليل واختبار وخياطة وتجميع الكسوة في رونقها الفريد وحلتها المميزة...وما تحتاج اليه من مواد وموارد بشرية مؤهلة... وهو الذي جعل من الانسان المواطن محورا اساسيا لعمليات التنمية وحضارتها وتطورها وان صناعه الانسان هاجسه الاول في كل مجال وميدان, حتى أخذت المملكة العربية السعودية على عاتقها مسايرة الحضارات المتقدمة والعلوم والتكنولوجية والثورات المعرفية وتقديم كل ما من شأنه نهضة البلاد والعباد ورفع راية الاسلام وحماية المسلمين في كل بقاع الارض المعمورة.
ومن أمثلة المواد والآليات الحديثة التي تصنع طاقات الحرير مكينة النسيج الآلي التي تعمل بنظام الجاكارد المطور للكسوة الكعبة المشرفة.
بالإضافة إلى مكينة الخياطة لقطع الكسوة وتوابعها المخصصة بتجميعها وتوصيلها وخياطتها آليا باستخدام الخطوط الوهمية بأشعة الليزر ونظام التحكم الآلي بالحاسوب . وتعتبر هذه المكنة أكبر ماكينة خياطة في العالم خصصت لهذه الكسوة المباركة في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك فهد (رحمه الله), حيث يبلغ طولها 16 مترا وعرضها حوالي 4 امتار والشواهد على ذلك كثيرة . ومما يزيد مكة المكرمة الديار الطاهرة وعاصمة الثقافة الاسلامية والمسلمين اجمعين شرفا وتعظيما وبرا وتوفيقا.
فجزاه الله خادم الحرمين الشريفين وخادم كسوة الكعبة المشرفه خير الجزاء وجعل ذلك في موازين حسناته..ووفق الله الخلف لخير سلف ملك البلاد وخادم الحرمين الشريفين عبدالله بن عبدالعزيز وولي عهده الامين الامير سلطان بن عبد العزيز امد الله في عمرهما , وأعانهما على حمل الامانه السامية ومن معهم من القائمين المخلصين لخدمة الاسلام والمسلمين , آمين اللهم آمين.,,
المدير العام
مصنع كسوة الكعبة المشرفة بمكة
عدنان بن محمد عيد ششه
[img][/img][img][/img]